کد مطلب:168152 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:150

انصار الامام الحسین
قبل الحدیث حول أنصار الامام الحسین (ع)، فی عددهم، واءسمائهم،واءنسابهم، وكلّ ما یتعلّق بهم، لابدّ من الحدیث ولو علی نحو الاشارة فی علوّ منزلتهم، وسموّ مقامهم، وخصوصیة تلك المنزلة وذلك المقام.

وحیث یعجز البیان، وتقصر قدرة العارف البلیغ عن بلوغ الغایة فی وصف هذه النخبة المصطفاة التی اختارها اللّه تبارك وتعالی لتكون رمز الانسانیة (لنصرة الحقّ) علی مرّ الدهور وإلی قیام الساعة، كان لابدَّ من الرجوع فی وصف هؤلاء الانصار الكرام إلی سادة البیان ومعدن العلم والحكمة،اءهل البیت (ع)، إذ هم خیر واءقدر من یستطیع القیام بمهمّة تعریف البشریة بهذه الكوكبة الفذّة الفریدة من أنصار الحقّ، ولعلّ اءوّل واءولی وصف لهم بلغ الغایة فی تعریفهم، هو ما وصفهم به الامام الحسین (ع) نفسه، حین جمع أصحابه عند قرب مساء لیلة عاشوراء لیلقی إلیهم بإحدی كلماته الخالدة یقول الامام زین العابدین علیّ بن الحسین (ع) فی نقله تفاصیل هذه الواقعة:

(فدنوت لاسمع ما یقول لهم، واءنا إذْ ذاك مریض، فسمعتُ أبی یقول لاصحابه:

اءُثنی علی اللّه أحسن الثناء، واءحمده علی السرّاء والضرّاء، اءَللهمّ إنّی أحمدك علی أن أكرمتنا بالنبوّة، وعلّمتنا القرآن،وفقّهتنا فی الدین، وجعلت لنا


أسماعاً واءبصاراً و اءفئدة،فاجعلنا من الشاكرین.

اءمّا بعدُ: فإنّی لاأعلم أصحاباً أوفی ولاخیراً من أصحابی،ولاأهل بیت أبرَّ ولاأوصل من أهل بیتی، فجزاكم اللّه عنّی خیراً...). [1] .

وهذا القول علی إطلاقه (لاأعلم أصحاباً أوفی ولاخیراً من اءصحابی، ولاأهل بیت أبرَّ ولا أوصل من اءهل بیتی) صادر عن الامام المعصوم الذی وهبه اللّه علم ما كان و مایكون إلی قیام الساعة، [2] فمفاد هذا النصّ الشریف إذن هو أنّ أنصار الامام الحسین (ع) من اءهل بیته وصحبه الكرام علی مرتبة من الشرف والسموّ ورفعة المقام بحیث لم یسبقهم إلیها سابق ولا یلحق بهم لاحق.

ویؤكّد هذا المفاد ما ورد عن الامام الباقر(ع) فیما رواه عن أمیرالمؤمنین علیّ(ع)، حیث قال:

(خرج علیّ یسیر بالنّاس، حتّی إذا كان بكربلاء علی میلین أومیل تقدّم بین أیدیهم حتّی طاف بمكان یُقال لها المقذفان، فقال: قُتل فیها مائتا نبیّ ومائتا سبط كلّهم شهداء، ومناخ ركاب ومصارع عشّاق شهداء، لایسبقهم من


كان قبلهم،ولا یلحقهم من بعدهم.). [3] .

فشهداء الطفّ إذن أعلی مقاماً واءشرف رتبة حتّی من شهداء بدر. [4] .


ولسمّو منزلتهم كان رسول اللّه (ص) قد حفر لهم قبورهم! فقد ورد فی الحدیث الشریف الذی رواه شیخ الطائفة بسنده عن غیاث بن إبراهیم، عن الامام الصادق (ع) أنه قال:

(اءصبحت یوماً أمّ سلمة تبكی، فقیل لها: ممّ بكاؤك؟ قالت: لقد قُتل ابنی الحسین اللیلة، [5] وذلك أنّنی ما راءیت رسول اللّه (ص) منذ مضی إلا اللیلة، فراءیته شاحباً كئیباً،فقالت: قلت: مالی أراك یا رسول اللّه شاحباً كئیباً؟قال: مازلت اللیلة أحفر القبور للحسین واءصحابه (ع)). [6] .

و من خصائص شهداء الطفّ(ع) أنّهم كُشف لهم الغطاء فراءوا جزاء ثباتهم وشجاعتهم وإصرارهم علی التضحیة مع ابن رسول اللّه (ص)، حیث راءوا منازلهم فی الجنّة وذلك بعد سلسلة الامتحانات التی امتحنهم الامام (ع) بها فكانوا أهلاً لهذا الكشف المبین واءحقَّ به، فقد روی عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبیه،عن أبی عبداللّه (ع)، قال: قلت له: أخبرنی عن أصحاب الحسین(ع) وإقدامهم علی الموت! فقال (ع):

(إنّهم كُشف لهم الغطاء حتّی راءوا منازلهم من الجنّة، فكان الرجل منهم یقدم علی القتل لیبادر إلی حوراء یعانقها وإلی مكانه من الجنّة!). [7] .


ولقد أشیر إلی ذلك فی زیارة الناحیة المقدّسة: (اشهد لقد كشف اللّه لكم الغطاء، ومهّد لكم الوطاء، واءجزل لكم العطاء..). [8] .

وقد اعترف الاعداء أنفسهم بشجاعة وعجیب ثبات أنصار الامام (ع)،فهذا عمرو بن الحجّاج الزبیدی لعنه اللّه، وهو من قادة الجیش الامویّ فی كربلاء یوم عاشوراء، یخاطب جیش الضلالة قائلاً: (یاحمقی! أتدرون من تقاتلون!؟ إنّما تقاتلون نقاوة فرسان اءهل المصر، وقوماً مستقتلین مستمیتین، فلایبرزنّ لهم منكم اءحد...). [9] .

ویستغیث عروة (عزرة) بن قیس وهو قائد خیل جیش الضلال باءمیره عمر بن سعد قائلاً: (اءما تری ما تلقی خیلی منذ الیوم من هذه العدّة الیسیرة...). [10] .

(وقیل لرجل شهد یوم الطفّ مع عمر بن سعد: ویحك! أقتلتم ذرّیة رسول اللّه (ص)!؟ فقال: عضضت بالجندل! [11] إنك لوشهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا! ثارت علینا عصابة أیدیها فی مقابض سیوفها، كالاسود الضاریة، تحطم الفرسان یمیناً وشمالاً، وتُلقی أنفسها علی الموت، لاتقبل الامان! ولاترغب فی المال!


ولایحول حائل بینها وبین الورود علی حیاض المنیّة أو الاستیلاء علی الملك! فلو كففنا عنها رویداً لاتت علی نفوس العسكربحذافیرها! فما كنّا فاعلین لاأُمَّ لك!؟). [12] .


[1] راجع: الارشاد، 2:91؛ وتاءريخ الطبري، 3:315؛والكامل في التاءريخ، 4:57.

[2] روي الكليني (ره) في حديث صحيح: عن محمّد بن يحيي، عن اءحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن ضريس الكناسي قال: سمعت أباجعفر(ع) يقول وعنده أُناس من أصحابه:(عجبتُ من قوم يتولّونا ويجعلونا أئمّة ويصفون أنّ طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول اللّه (ص) ثمَّ يكسرون حجّتهم ويخصمون اءنفسهم بضعف قلوبهم، فينقصونا حقّنا، ويُعيبون ذلك علي من اءعطاه اللّه برهان حقّ معرفتنا والتسليم لامرنا، أترون أنّ اللّه تبارك وتعالي افترض طاعة أوليائه علي عباده ثمَّ يُخفي عنهم اءخبار السموات والارض ويقطع عنهم موادّ العلم فيما يرد عليهم ممّا فيه قوام دينهم!؟...) (الكافي: 1: 261-262 حديث رقم 4 / دارالاضواء بيروت).

[3] بحار الانوار، 41: 295، باب 114، حديث رقم 18.

[4] وإن كانت بعض الروايات قد ألحقت شهداء بدر بشهداء كربلاء في رتبتهم، كما روي الطبراني بسنده المتّصل إلي شيبان بن مخرم وكان عثمانيّا! حيث قال: إنّي لمع عليّ(رض) إذ أتي كربلاء فقال: (يُقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم شهداء إلاّ شهداءبدر) (المعجم الكبير، 3:111 رقم 2826).

ويُتحفّظ علي هذه الرواية من جهتين علي الاقلّ الاولي: أنه يُستبعد من رجل عثمانيّ الميل والهوي مثل شيبان بن مخرم بما لهذا المصطلح السياسي من دلالة فكرية وعملية آنذاك أن يشترك مع عليّ(ع) في صفّين ضدّ معاوية.

والثانية: أنّ في سند هذه الرواية (كما في المصدر): أبوعوانة يرويها عن عطاء بن السائب، وقال عبّاس الدوري في عطاء (وعباس الدوري: هو أبوالفضل عبّاس بن محمّد بن حاتم بن واقد الدوري ثم البغدادي / وصفه الذهبي بقوله: الامام الحافظ الثقة الناقد.. اءحد الاثبات المصنّفين / راجع: سير أعلام النبلاء: 12:522 رقم199): عطاء بن السائب اختلط فمن سمع منه قديماً، فهو صحيح،وما سمع منه جرير و ذووه ليس من صحيح حديث عطاء، وقد سمع اءبوعوانة من عطاء في الصحّة وفي الاختلاط جميعاً ولايحتجّ بحديثه.).

(وقال عنه ابن عدي: وعطاء اختلط في آخر عمره.. ومن سمع منه بعد الاختلاط فاءحاديثه فيها بعض النُكرة.).

(وقال العجلي عنه: فاءمّا من سمع منه بآخرة فهو مضطرب الحديث.. عطاء بآخرة كان يتلقّن إذا لقّنوه في الحديث، لانه كان غيرصالح الكتاب.

(وقال أبوحاتم: كان محلّه الصدق قبل أن يختلط، صالح مستقيم، ثمّ بآخرة تغيّر حفظه، وفي حديثه تخاليط كثيرة).

(راجع: تهذيب الكمال، 20:86 رقم 3934، وسير أعلام النبلاء،6:110 رقم 30، والجرح والتعديل، 6:330 رقم 1839).

[5] لعلّ مرادها(رض) من قولها: (لقدقُتل ابني الحسين الليلة) هو أنها علمت بمقتله (ع) ليلة الرؤيا،وإلاّ فإنَّ الثابت المشهور هو أنّه قُتل يوم العاشر من المحرم سنة 61 ه‍. ق بعد الظهر.

[6] اءمالي الطوسي: 90 المجلس الثالث، حديث رقم 49واءمالي المفيد: 319 المجلس الثامن والثلاثون، حديث رقم 6.

[7] علل الشرايع: 1:229 باب 163 حديث رقم 1 / أمّا الرواية التي رواها الشيخ الصدوق (ره) في كتابه (معاني الاخبار) في الصفحة288 تحت رقم 2 في باب (معني الموت): عن محمّد بن القاسم المفسّر الجرجاني، عن أحمد بن الحسن الحسيني، عن الحسن بن عليّ الناصر، عن أبيه، عن محمّد بن عليّ(ع)، عن أبيه الرضا(ع)، عن اءبيه موسي بن جعفر(ع)، عن أبيه جعفر بن محمّد(ع)، عن أبيه محمدّ بن عليّ(ع)، عن أبيه علي بن الحسين (ع)قال: (لمّا اشتدّ الامر بالحسين بن علي بن أبي طالب (ع) نظر إليه من كان معه، فإذا هو بخلافهم، لانّهم كلّما اشتدّ الامرتغيّرت ألوانهم وارتعدت فرائصهم و وجبت قلوبهم، وكان الحسين(ع) وبعض من معه من خصائصهم تشرق ألوانهم وتهداء جوارحهم و تسكن نفوسهم! فقال بعضهم لبعض: أنظروا لايبالي بالموت! فقال لهم الحسين (ع): صبراً بني الكرام، فما الموت إلاّ قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلي الجنان الواسعة والنعيم الدائمة، فاءيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلي قصر!؟ وما هو لاعدائكم إلاّ كمن ينتقل من قصر إلي سجن وعذاب، إنّ أبي حدّثني عن رسول اللّه (ص) أنَّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، والموت جسر هؤلاء إلي جنّاتهم، وجسر هؤلاء إلي جحيمهم، ما كَذبتُ ولاكُذبت.).

فهذه الرواية فضلاً عن احتمال ضعفها (بمحمّد بن القاسم المفسّر الاسترابادي الجرجاني الذي اختلف فيه الرجاليّون، وقد ضعّفه ابن الغضائري، وكذلك العلاّمة،وقال فيه السيّد الخوئي: مجهول الحال / راجع: معجم رجال الحديث: 17:155: رقم 11586) فإنّ اضطراب متنها يوحي ابتداءً أنّ بعض أنصار الحسين (ع) كانوا كلّما اشتد الامر تغيّرت اءلوانهم و ارتعدت فرائصهم و وجبت قلوبهم!! وهذا أمر صريح المخالفة لما أطبقت عليه الروايات الكثيرة واءجمع عليه المؤرّخون في أنَّ جميع أنصاره (ع) بلغوا حدّ الاعجاز فرداً فرداً في الثبات والشجاعة والاقدام والشوق إلي لقاء اللّه ورسوله،والعارف بالسيرة الخاصة لكلّ واحدٍ من هؤلاء الانصار الافذاذ يقطع بعدم صحّة ما يوحي به ظاهر متن هذه الرواية من إساءة لبعض اءنصار الحسين (ع).

و الرواية علي فرض صحتها لابد من تأويل عباراتها الغامضة مثل «نظر اليه من كان معه» و»فقال بعضهم لبعض: أنظروا لا يبالي بالموت «بان هؤلاء كانوا بعض من كان في جملة الركب الحسيني من خدم و موال ممن لم يكن من عزمهم الاشتراك في هذه الحرب، ذلك لأن الركب الحسيني لم يقتصر من حيث الرجال علي أنصار الامام، بل كان فيه غيرهم أيضا من الخدم و الموالي أو بعض الأجراء كما توحي به بعض الروايات و لا يبعد أن يكون في هؤلاء من يرهب الحرب الي هذه الدرجة. و لا يتنافي هذا مع كون خطاب الامام (ع): صبرا بني الكرام، فما الموت الا قنطرة...» موجها الي الأنصار (ع) أنفسهم، ذلك لأن تشجيع الشجاع و حث التقي علي التقوي لا ينافي تحقق الشجاعة في الشجاع و التقوي في التقي.

[8] البحار: 73:45.

[9] أنساب الاشراف: 40:3 / دار الفكر - بيروت، وراجع، الارشاد: 103:2، وفي نقل الشيخ القرشي عن انساب الاشراف المخلوط: «فلايبرزنّ لهم منكم احد الاقتلوه...». (راجع: حياة الامام الحسين بن علي (ع): 210:3).

[10] الارشاد: 104:2.

[11] الجندل: الحجر الشديد القويّ.

[12] شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: 307:3 / دار احياء التراث العربي - بيروت.